الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
780- مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى طوافه بالبيت وركع الركعتين وأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج قال أبو عمر وهو محفوظ من حديث جابر الحديث الطويل في الحج رواه جماعة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بتمامه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا ثم رجع فاستلم الحجر ثم خرج من الباب إلى الصفا ويأتي ذكر الركعتين في الباب بعد هذا إن شاء الله ذكر عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه طاف بالبيت ثم صلى ركعتين عند المقام ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ثم خرج إلى الصفا وهو معمول به مستحب عند جماعة الفقهاء. 781- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن فقال عبد الرحمن استلمت وتركت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت قال أبو عمر كان بن وضاح يقول في موطأ يحيى إنما الحديث كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن الأسود وزعم أن يحيى سقط له من كتابه الأسود وأمر بن وضاح بإلحاق الأسود في كتاب يحيى قال أبو عمر رواه عن مالك كما قال بن وضاح - الركن الأسود - بن القاسم وبن وهب والقعنبي وجماعة وقد رواه أبو المصعب وغيره كما رواه يحيى لم يذكر الأسود وكذلك رواه بن عيينة وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه لم يذكروا الأسود كما روى يحيى وهو أمر محتمل جائز في الوجهين جميعا ورواه الثوري عن هشام عن أبيه فقال فيه كيف صنعت في استلامك الحجر فقد روي عن هشام في ذلك مثل رواية الثوري ذكره بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن كيف فعلت يا أبا محمد في استلام الحجر وكان استأذنه في العمرة فقال كيف صنعت حين طفت فقال استلمت وتركت قال أصبت وقد ذكرنا في التمهيد الأحاديث في استلام الركنين دون غيرهما وأوضحنا ذلك كله بالأسانيد ولا خلاف بين العلماء أن الركنين جميعا يستلمان الأسود واليماني وإنما الفرق بينهما أن الأسود يقبل واليماني لا يقبل وقد روى عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده عليه وهذا غير معروف ولم يتابع عليه وإنما المعروف قبل يده وإنما يعرف تقبيل الحجر الأسود ووضع الوجه عليه وما أعرف أحدا من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود وقد ذكرت في التمهيد بإسناده أن عبد الرحمن بن عوف كان إذا أتى الركن فوجدهم يزدحمون عليه استقبله فكبر ودعا ثم طاف فإذا وجد خلوة استلمه وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف - إذ قال استلمت وتركت فقال أصبت - دليل على أن الاستلام ليس بواجب وأنه حسن لا حرج على من تركه في بعض طوافه عامدا وإن غلبه بالزحام لم يضره ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن محمد بن جامع السكري قراءة عليه وأنا أسمع سنة أربع وأربعين وثلاثمائة قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثني سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن عوف قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت في استلام الحجر قلت استلمت وتركت قال أصبت وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف حجة الوداع حول البيت يستلم الركن بمحجن كراهية أن يصرف الناس عنه وروى بن عيينة عن أبي يعفور عن رجل من خزاعة عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم الناس على الركن فإنك تؤذي الضعيف ولكن إذا وجدت خلوة فاستلم ولا تكر وامض. وقال الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن نافع قال طفت مع طاوس فلم يستلم شيئا من الأركان حتى فرغ من طوافه قال أبو عمر الاستلام للرجال دون النساء عن عائشة وعطاء وغيرهما وعليه جماعة الفقهاء فإذا وجدت المرأة الحجر خاليا واليماني استلمت إن شاءت وكانت عائشة (رضي الله عنها) تقول للنساء إذا وجدتن فرجة فاستلمن وإلا فكبرن وامضين. 782- مالك عن هشام بن عروة إن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه قال أبو عمر قد مضى في حديث مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يستلم من الأركان إلا اليمانيين ما فيه كفاية في استلام الأركان وقد كان عبد الله بن الزبير ومعاوية يفعلان ما كان يفعله عروة من استلام الأركان كلها وقالا ليس من البيت شيء مهجور وقال معاوية لابن عباس فقال له بن عباس (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب 21]. وقد بان في بناء الكعبة معنى ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين اللذين يليان الحجر. وقال الشافعي ليس قول من قال محتجا لاستلام الأركان كلها ليس من البيت شيء مهجور بصحيح لأنه ليس في ترك استلامهما هجر لهما ومن طاف من ورائهما لم يهجرهما والحيطان كلها من البيت لا يستلم منها غير الأركان وليس ذلك بهجر للبيت وحكم ذلك الركنين حكم سائر الحائط أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثني محمد بن جرير الطبري قال حدثني محمد بن المثنى وأبو معمر قالا حدثني أبو عامر قال حدثنا رباح بن أبي معروف عن يوسف بن ماهك قال كان بن عمر إذا مر بالركن اليماني والحجر الأسود استلمهما لا يدعهما فقلت يا أبا عبد الرحمن تمر بهذين الركنين فتستلمهما لا يدعهما قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما لا يدعهما قلنا له أتمر بهذين وتمر بهذين الركنين فلا تستلمهما قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما فلا يستلمهما قال الطبري واحتج من رأى الاستلام في الأركان كلها بما حدثناه بن حميد قال حدثني يحيى بن وضاح قال حدثني الحسين بن واقد عن أبي الزبير عن جابر قال كنا نؤمر إذا طفنا أن نستلم الأركان كلها قال أبو الزبير ورأيت عبد الله بن الزبير يفعله قال أبو عمر قول أبي الزبير أنه رأى عبد الله بن الزبير يفعله وهو مكي يرى الجماعات من الصحابة وكبار التابعين يحجون فلو رآهم يفعلون ذلك لم يخص بذلك بن الزبير وهذا يعضده حديث عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر رأيتك تفعل أربعا لم أر أحدا يفعلهن غيرك فذكر منهن أنه كان لا يستلم إلا الركنين فقط قال أبو عمر هو مباح لمن فعله لا حرج عليه والسنة استلام الركنين الأسود واليماني وعليه جماعة الفقهاء بالأمصار أهل الفتوى والحمد لله وقد كان جماعة من السلف لا يستلمون الركن إلا في الوتر من الطواف منهم مجاهد وطاوس واستحبته طائفة من الفقهاء قال الشافعي أحب الاستلام في كل وتر أكثر مما احبه في كل شفع وإذا لم يكن الازدحام أحببت الاستلام في كل طواف. 873- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت للركن الأسود إنما أنت حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ثم قبله قال مالك سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن اليماني أن يضعها على فيه قال أبو عمر هذا الحديث مرسل لأن عروة لم يسمع من عمر وقد روي متصلا مسندا من وجوه منها ما رواه بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث ويونس بن يزيد عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه حدثه قال قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك قال عمرو بن الحارث. وحدثني بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال أبو عمر زعم أبو بكر البزار أن هذا الحديث رواه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا أربعة عشر رجلا وقد ذكرنا بعض تلك الطرق في التمهيد ولا يختلف العلماء أن تقبيل الحجر الأسود في الطواف من سنن الحج لمن قدر عليه ومن لم يقدر عليه وضع يده على فيه ثم وضعها عليه مستلما ورفعها إلى فيه فإن لم يقدر أيضا على ذلك كبر إذا قابله وحاذاه فإن لم يفعل فلا أعلم أحدا أوجب عليه دما ولا فدية روى بن جريج عن محمد بن جعفر قال رأيت بن عباس قبل الركن ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات وروى الشافعي قال حدثني سعيد عن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه كان لا يستلم الحجر إلا أن يراه خاليا وكان إذا استلمه قبله ثلاث مرات ثم سجد عليه على إثر كل تقبيلة قال أبو عمر وروي في الحجر الأسود آثار عن السلف منها عن بن عباس وعبد الله بن عمر ووهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم أن الحجر الأسود من الجنة وأنه كان أشد بياضا من الثلج حتى سوده لمس أهل الشرك وعبدة الأصنام له وأنه لولا مسه من أرجاس أهل الجاهلية وأنجاسها ما مسه ذو عاهة إلا برأ وعن بن عباس وسلمان الفارسي أنه من حجارة الجنة وأنه يبعث يوم القيامة وله لسان وشفتان وعينان يشهد لمن استلمه بالوفاء والحق وهو يمين الله في الأرض وهو يصافح بها عبادة وعن السدي قال هبط آدم بالهند وأنزل معه الحجر الأسود وأنزل معه قبضة من ورق الجنة فنثرها آدم بالهند فأنبتت شجر الطيب فأجل ما يؤتى به من الطيب الهندي من ذلك الورق وإنما قبض آدم القبضة أسفا على الجنة حيث أخرج منها وروى بن وهب عن عمرو بن الحارث أن قتادة حدثه أن أنس بن مالك حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحجر الأسود من حجارة الجنة وإني قد رضيت بما قسم قال. وحدثني يونس بن يزيد عن بن شهاب أنه سمع سعيد بن المسيب يقول الركن حجر من حجارة الجنة أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو إسماعيل الترمذي قال حدثني شاذ بن الفياض قال حدثني عمر بن إبراهيم العبدي البزار عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحجر الأسود من حجارة الجنة قال أبو عمر كل ما ذكرنا في الحجر الأسود قد جاء عن السلف على حسب ما وصفنا وهو الصواب عندنا وأولى من قول من شذ فقال إنه من حجارة الوادي وبالله التوفيق قال الشافعي السجود على الحجر سجود لله تعالى وأنا أحب ما صنع بن عباس وطاوس قال. وأخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج قال قلت لعطاء هل رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلموا قبلوا أيديهم قال نعم رأيت جابر بن عبد الله وبن عمر وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم قلت وبن عباس قال نعم حسبت كثيرا قلت هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يديك قال فلم أستلمه إذن ! قال بن جريج قلت لعطاء تقبيل الركن الأسود قال حسن قال أبو عمر إذا كان موجودا عن السلف في الركن الأسود فما ذكره مالك عن بعض أهل العلم في الركن اليماني لأن الركنين السنة فيهما استلامهما وتقبيل اليد وتقبيل الحجر الأسود خاصة لمن قدر عليه وبالله التوفيق. 784- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يجمع بين السبعين لا يصلي بينهما ولكنه يصلي بعد كل سبع ركعتين فربما صلى عند المقام وعند غيره وسئل مالك عن الطواف إن كان أخف على الرجل أن يتطوع به فيقرن بين الأسبوعين أو أكثر ثم يركع ما عليه من ركوع تلك السبوع قال لا ينبغي ذلك وإنما السنة أن يتبع كل سبع ركعتين قال مالك في الرجل يدخل في الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أو تسعة أطواف قال يقطع إذا علم أنه قد زاد ثم يصلي ركعتين ولا يعتد بالذي كان زاد ولا ينبغي له أن يبني على التسعة حتى يصلي سبعين جميعا لأن السنة في الطواف أن يتبع كل سبع ركعتين قال مالك ومن شك في طوافه بعد ما يركع ركعتي الطواف فليعد فليتمم طوافه على اليقين ثم ليعد الركعتين لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع ومن أصابه شيء بنقض وضوئه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو بين ذلك فإنه من أصابه ذلك وقد طاف بعض الطواف أو كله ولم يركع ركعتي الطواف فإنه يتوضأ ويستأنف الطواف والركعتين. وأما السعي بين الصفا والمروة فإنه لا يقطع ذلك عليه ما أصابه من انتقاض وضوئه ولا يدخل السعي إلا وهو طاهر بوضوء قال أبو عمر أما فعل عروة (رحمه الله) أنه كان لا يجمع بين السبعين إلى آخر خبره المذكور في أول هذا الباب فالسنة المجتمع عليها في الاختيار أن يتبع كل سبوع ركعتين وعلى هذا جمهور العلماء قال بن وهب عن مالك السنة التي لا اختلاف فيها ولا شك والذي اجتمع عليه المسلمون أن مع كل أسبوع ركعتين وقال أشهب سئل مالك عمن طاف سبعين ثم ركع لهما فقال ما أحبه وما ذلك من عمل الناس وكره الثوري أن يجمع بين سبوعين وكرهه أيضا أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وأكثر أهل العلم وقد كان بعض السلف يقرن بين الأسابيع منهم عائشة أم المؤمنين والمسور بن مخرمة ومجاهد ذكر بن عيينة قال حدثني محمد بن السائب عن أبيه أن عائشة كانت تطوف ثلاثة أسابيع تفرق بينها وتركع لكل سبوع ركعتين وذكر شعبة عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان لا يرى بأسا أن يطوف الرجل ثلاثة أسابيع أو خمسة وما كان وترا ويصلي لكل أسبوع ركعتين ويجمعهن وكان يكره سبعين أو أربعا وقال به أبو يوسف أيضا وكان المسور بن مخرمة يفرق بين الأسبوعين قال أبو عمر الحجة لمن كره ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وقال خذوا عني مناسككم فينبغي الاقتداء به والانتهاء إلى ما سنه صلى الله عليه وسلم وعله من أجاز ذلك أنها صلاة ليس لها وقت فيتعدى والطواف لا وقت له أيضا فحسبه أن يأتي من الطواف بما شاء ويركع لكل أسبوع ركعتين قياسا على من كانت عليه كفارتان في وقتين يجمعهما في وقت واحد. وأما كراهة مجاهد الجمع بين السبعين وإجازته ثلاثة أسابيع فإنما ذلك -والله أعلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إلى الركعتين بعد وتر من طوافه ومن طاف أسبوعين لم ينصرف على وتر فلذلك أجاز أن يطوف ثلاثة أسابيع وخمسة وسبعة ولم يجز اثنين قال أبو عمر ثبتت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين وأجمعوا على قول ذلك وأجمعوا أيضا على أن الطائف يصلي الركعتين حيث شاء من المسجد وحيث أمكنه وأنه إن لم يصل عند المقام أو خلف المقام فلا شيء عليه واختلفوا فيمن نسي ركعتي الطواف حتى خرج من الحرم أو رجع إلى بلاده فقال مالك إن لم يركعهما حتى يرجع إلى بلده فعليه هدي وقال الثوري يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم. وقال الشافعي وأبو حنيفة يركعهما حيث ما ذكر من حل أو حرم وحجة مالك في إيجاب الدم في ذلك قول بن عباس من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما وركعتا الطواف من النسك وحجة من أسقط الدم في ذلك أنها صلاة تقضى متى ذكرت لقوله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وليستا بأوكد من المكتوبة ولا مدخل للدم عندهم. وأما قول مالك في الرجل يدخل الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أطواف أو تسعة فإنه يقطع ويركع ركعتين ولا يعتد بالذي زاد ولا يبني عليه فهذه مسألة اختلف الفقهاء فيها فقول أبي حنيفة ومحمد في ذلك كقول مالك وبه قال أبو ثور وهو الأولى قياسا على صلاة النافلة فيهن يبني ويسلم في ركعتين فإذا قام إلى ثالثة وعمل فيها ثم ذكر رجع إلى الجلوس وتشهد وسلم وسجد وقال الثوري إن بنى على الطواف والطوافين أسبوعا آخر فلا بأس ولا أحبه واستحب الشافعي في ذلك ما قاله مالك ولم يخرج عنده سهو الساهي إذا بنى. وأما قوله من شك في طوافه بعد ما يركع ركعتي الطواف فليعد فليتم طوافه على اليقين ثم ليعد الركعتين لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع فقد احتج مالك للمسألة بما لا ريبة فيه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شك أثلاثا صلى أم أربعا فليبن على يقين وليأت بركعة ولا خلاف أن الركعتين لا تكونان إلا بعد السبعة الأطواف. وأما قوله من أصابه شيء ينقض وضوءه إلى آخر قوله فالسنة المجتمع عليها أنه لا ينبغي أن يكون الطواف إلا على طهارة لقوله (عليه السلام) للحائض من نسائه اقض ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي هذا هو الاختيار عندهم واختلفوا فيمن طاف على غير طهارة فجملة قول مالك في ذلك أنه قاسها على من صلى على غير وضوء. وقال مالك لا يطاف إلا في ثوب طاهر وعلى طهارة فإن أحدث في الطواف توضأ واستقبل إذا كان الطواف واجبا عليه أو من سنن الحج. وأما الطواف التطوع فإنه إن أراد تمامه استأنف الوضوء له. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إن ذكر الذي طاف الطواف الواجب أو المسنون أنه كان على غير طهارة ذلك اليوم أو جنبا له الإعادة وعليه دم وقال محمد ليس عليه إعادة الطواف وإن طاف كان حسنا والدم على كل حال لا يسقطه عنه إعادة الطواف. وقال الشافعي إذا طاف في ثوب نجس وإن كان حسنا فالدم عليه على كل حال وقال أو على جسده شيء من نجاسة أو في نعله نجاسة لم يعتد بما طاف بتلك الحال كما لا يعتد بالصلاة في ذلك وكان في حكم من لم يطف قال والطائف بالبيت في حكم المصلي في الطهارة خاصة ولا يرى الشافعي في الطواف تطوعا على من قطعه عليه الحدث أو قطعه عامدا أعاده كالصلاة النافلة عنده ولا يحل عنده الطواف التطوع ولا صلاة التطوع إلا على طهارة. وقال أبو ثور إذا طاف على غير وضوء أو في ثوبه بول أو قذر أو دم كثيرا فأخشى وهو يعلم لم يجزه ذلك وإن كان لا يعلم أجزاه طوافه. وقال أحمد وإسحاق لا يجوز طواف إلا على طهارة وقال إبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان ومنصور بن المعتمر والأعمش يجزئ الطواف على غير طهارة روى شعبة عن منصور وحماد والأعمش في الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة لم يروا بذلك بأسا قال الأعمش أحب إلي أن يطوف على طهارة قال أبو عمر من أجاز الطواف على غير طهارة قاسه على إجماع العلماء في السعي بين الصفا والمروة أنه جائز على غير طهارة ومن لم يجزه إلا على طهارة احتج بما تقدم من قوله (عليه السلام) تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وقوله وقول أصحابه الطواف بالبيت صلاة وهو مرتبط بالبيت بعده ولا خلاف بينهما أنها لا تجزي على غير طهارة. وأما قول مالك أنه لا يدخل السعي إلا بطواف فهذا اختيار منه لمن صح له طوافه على طهارة. 785- مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عبدالقاري أخبره أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذي طوى فصلى ركعتين. 786- مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال رأيت عبد الله بن عباس يطوف بعد صلاة العصر ثم يدخل حجرته فلا أدري ما يصنع قال أبو عمر روى هذا الخبر بن عيينة عن أبي الزبير بخلاف رواية مالك ذكره بن أبي عمر وغيره عن بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت بن عباس طاف بعد العصر فلا أدري أصلى أم لا فقال له أبو الزبير عمرو لم يره صلى قال لا قال أبو الزبير لكني رأيته صلى. 287- مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال قد رأيت البيت يخلو بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ما يطوف به أحد قال أبو عمر هذا خبر منكر يدفعه كل من رأى الطواف بعد الصبح والعصر ولا يرى الصلاة حتى تغرب الشمس قال مالك ومن طاف بالبيت بعض أسبوعه ثم أقيمت صلاة الصبح أو صلاة العصر فإنه يصلي مع الإمام ثم يبني على ما طاف حتى يكمل سبعا ثم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب قال وإن أخرهما - يعني الركعتين - حتى يصلي المغرب فلا بأس بذلك قال مالك ولا بأس أن يطوف الرجل طوافا واحدا بعد الصبح وبعد العصر لا يزيد على سبع واحد ويؤخر الركعتين حتى تطلع الشمس كما صنع عمر بن الخطاب ويؤخرهما بعد العصر حتى تغرب الشمس فإذا غربت الشمس صلاهما إن شاء وإن شاء أخرهما حتى يصلي المغرب لا بأس بذلك قال أبو عمر قد قال في الموطأ عند جماعة من رواته أحب إلي يركعهما بعد صلاة العصر قال أبو عمر للمسألة في هذا الباب ثلاثة أقوال أحدها إجازة الطواف بعد الصبح وبعد العصر وتأخير الركعتين حتى تطلع الشمس أو تغرب وهو مذهب عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء وجماعة وهو قول مالك وأصحابه روى بن عيينة عن بن أبي نجيح عن أبيه قال قدم علينا أبو سعيد الخدري فطاف بالبيت سبعا بعد الصبح فقلنا انظروا كيف يصنع فجلس حتى طلعت الشمس ثم قام فصلى ركعتين والقول الثاني كراهة الطواف وكراهة الركوع له بعد الصبح وبعد العصر قاله سعيد بن جبير ومجاهد وجماعة والثالث إباحة ذلك كله وجوازه بعد الصبح وبعد العصر وبه قال الشافعي وجماعة غيره وكره الثوري وأبو حنيفة وأصحابه الطواف بعد الصبح وبعد العصر وقالوا فإن فعل فلا يركع حتى يحل وقت الصلاة النافلة بعد طلوع الشمس وبعد الغروب وقال سعيد بن جبير ومجاهد لا يطوف بعد الصبح وبعد العصر وقال عطاء يطوف ولا يصلي وقد روي عنه يطوف ويصلي مثل قول الشافعي وهو الصحيح عنه وروى شعبة عن سعد بن إبراهيم عن نصر بن عبد الرحمن عن جده معاذ القرشي أنه طاف بالبيت مع معاذ بن عفراء بعد العصر وبعد الصبح فلم يصل فسألت فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة بعد صلاة الغداة حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس وبمثل هذا احتج من كره الطواف بعد الصبح والعصر وزاد أن من سنة الطواف أن تصلى بعده ركعتان بلا فصل ولا تؤخر الركعتان بعد الفراغ من الطواف إلا عن عذر فإذا لم تكن الصلاة جائزة لم يكن الطواف جائزا إلا أن الطواف لا يتم إلا بالركعتين ومن سنتهما أن لا يفرق بينهما ومن حجة الشافعي ومن قال بقوله حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا بني عبد مناف - أو يا بني عبد المطلب - إن وليتم من هذا الأمر شيئا فلا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار رواه الشافعي وغيره عن بن عيينة قالوا فقد عم الأوقات كلها فليس لأحد أن يخص وقتا من الأوقات وممن أجاز الطواف والصلاة بعد العصر والصبح عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين وبه قال عطاء وطاوس والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير روى بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت أنا وعطاء عبد الله بن عمر طاف بالبيت بعد الصبح وصلى قال أبو عمر لا ينبغي لأحد أن يطوف ولا يركع عند طلوع الشمس ولا عند غروبها لأن الآثار متفقة في ذلك صحاح لا تحتمل تأويلا. وأما الآثار في الصلاة بعد الصبح وبعد العصر فقد عارضتها مثلها وتأويل العلماء فيها أن النهي إنما ورد دليلا يتطرق بذلك إلى الصلاة عند الطلوع والغروب وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب الصلاة فلم أر وجها لإعادته ها هنا 3. 9- باب وداع البيت. 788- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت قال مالك في قول عمر بن الخطاب فإن آخر النسك الطواف بالبيت إن ذلك فيما نرى والله أعلم لقول الله تبارك وتعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [الحج 32]. وقال (ثم محلها إلى البيت العتيق) [الحج 33]. فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق. 789- مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع. 790- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال من أفاض فقد قضى الله حجه فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت وإن حبسه شيء أو عرض له فقد قضى الله حجه قال مالك ولو أن رجلا جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت حتى صدر لم أر عليه شيئا إلا أن يكون قريبا فيرجع فيطوف بالبيت ثم ينصرف إذا كان قد أفاض قال أبو عمر وداع البيت لكل حاج أو معتمر لا يكون مكيا من شعائر الحج وسننه إلا أنه رخص للحائض إذا كانت قد أفاضت والإفاضة الطواف بالبيت بعد رمي جمرة العقبة وهو الذي يسميه أهل الحجاز طواف الإفاضة ويسميه أهل العراق طواف الزيارة فمن طاف ذلك الطواف من النساء ثم حاضت فلا جناح عليها أن تصدر عن البيت وتنهض راجعه إلى بلدها دون أن تودع البيت وردت السنة بذلك في الحائض التي قد أفاضت وسيأتي ذلك في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله (عز وجل) وسنذكر هناك من رخص للحائض في ذلك من العلماء اتباعا للسنة التي بلغته فيها ومن لم يرخص لها لما غاب عنه في ذلك قال بن وهب قال لي مالك في قول عمر بن الخطاب آخر النسك الطواف بالبيت قال ذلك الأمر المعمول به الذي لا ينبغي لأحد تركه إلا من عذر وذلك لمن كان بمنى فمن أراد الصدر فأما من رجع إلى مكة بإفاضة فإن له سعة أن يخرج وإن لم يطف بالبيت إذا أفاض قال أبو عمر هو قول عطاء ذكر بن جريج عن عطاء قال إذا أخرت طوافك إلى أن تجيء يوم الصدر أجزاك لزيارتك وصدرك - يعني الوداع قال الثوري من نسي فخرج ولم يودع رجع إن ذكر في الحرم فطاف وإن كان قد خرج من الحرم لم يرجع ويمضي وأهراق دما وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وأوصى سفيان الثوري عند موته أن يهراق عنه دم لأنه خرج مرة بغير وداع واختلفوا فيمن طاف طواف الوداع ثم بدا له في شراء حوائج من السوق ونحو ذلك فقال عطاء إذا لم يبق إلا الركوب والنهوض فحينئذ يودع وإنما هو عمل يختم به وبه قال الشافعي والثوري وأحمد وأبو ثور. وقال الشافعي إذا اشترى في بعض جهازه وطعامه وحوائجه في السوق بعد الوداع. وقال أبو حنيفة وأصحابه أحب إلينا أن يكون طوافه حين يخرج فلو ودع البيت ثم أقام شهرا أو أكثر أجزاه ذلك ولم يكن عليه إعادة قال أبو عمر هذا خلاف قول عمر (رضي الله عنه) فليكن آخر عهده الطواف بالبيت واختلفوا في المعتمر الخارج إلى التنعيم هل يودع فقال مالك والشافعي ليس عليه وداع وقال الثوري إن لم يودع فعليه دم قال أبو عمر قول مالك أقيس لأنه راجع في عمرته إلى البيت وليس بناهض إلى بلده ويقولون إن بين مر الظهران وبين مكة ثمانية عشر ميلا وهذا بعيد عند مالك وأصحابه ولا يرون على أحد طواف الوداع من مثل هذا الموضع وجملة قول مالك فيمن لم يطف للوداع أنه إذا كان قريبا رجع فطاف لوداع البيت وإن بعد فلا شيء عليه. وقال أبو حنيفة وأصحابه يرجع إلى طواف الوداع ما لم يبلغ المواقيت فإن بلغها ولم يرجع فعليه دم وقالوا في أهل بستان بن عامر وأهل المواقيت إنهم بمنزلة أهل مكة في طواف الصدر وقال سفيان الثوري والشافعي من لم يطف الوداع فعليه دم إن يغدو إن أمكنه الرجوع رجع وهو قول الحسن البصري والحكم وحماد ومجاهد كلهم يقولون عليه دم وثبت عن بن عباس أنه قال من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما ولا خلاف أن طواف الوداع من النسك والحجة لمالك أن طواف الوداع ساقط عن المكي وعن الحائض فليس من السنن اللازمة وألزمه بدنة فلا يجب فيها شيء إلا بيقين. 791- مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إنها قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة قالت فطفت راكبة بعيري ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور قال أبو عمر قولها يصلي تريد صلاة الصبح بدليل ما ذكره البخاري عن محمد بن حرب عن يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة ولم تكن طافت بالبيت وأرادت الخروج إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ففعلت ذلك ولم تصل حتى خرجت قال أبو عمر اختلف العلماء فيمن طاف بالبيت راكبا ومحمولا فقال مالك إن كان من عذر أجزاهما وإن كان من غير عذر أعادا جميعا وإن رجع المحمول إلى بلده كان عليه أن يهدي دما قال ولو طاف بصبي وسعى بين الصفا والمروة أجزاه عن نفسه وعن الصبي إذا نوى ذلك وهو قول الليث في الطواف والسعي عنده بمنزلة الطواف. وقال مالك في المريض يطاف به محمولا ثم يفيق أحب إلي أن يعيد ذلك الطواف وذكر بن القاسم عنه قال يطوف لنفسه من أراد أن يطوف بالصبي ثم يطوف بالصبي ولا يركع عنه ولا شيء على الصبي في ركعتيه قال ومن طاف بالبيت محمولا من غير عذر قال بن القاسم أرى أن يعيد فإن رجع إلى بلاده عاد فطاف وأهراق دما وإن طاف راكبا أعاد وإن طال فعليه دم وإن سعى بالصبي من لم يسع بين الصفا والمروة فهو أخف من الطواف بالبيت ويجزئه ولا بأس أن يسعى لنفسه والصبي معه سعيا واحدا ويجزئهما جميعا على راحلته. وقال أبو حنيفة وأصحابه إن طاف راكبا من غير عذر فعليه أن يعيد إن كان بمكة وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم وإن طاف راكبا من عذر أجزاه وكذلك المحمول عند محمد بن الحسن فقال لو طاف بأمه حاملا لها أجزاه عنه وعنها وكذلك لو استأجرت امرأة رجلا يطوف بها حاملا كان الطواف لهما جميعا والأجر له. وقال الشافعي طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الصفا والمروة راكبا من غير مرض ولكنه أحب أن يشرف للناس يسألونه وليس أحد مثله وأكثر ما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا فمن طاف راكبا من غير علة فلا إعادة عليه ولا فدية ولا أحب لمن طاف ماشيا أن يركب فإن طاف راكبا أو حاملا من عذر أو غيره فلا دم عليه وحجته ما رواه بن جريج وبن أبي ذئب عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه قال بن جريج. وأخبرني أبو الزبير عن جابر قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالبيت وبين الصفا والمروة على راحلته ليراه الناس وليشرف لهم إن الناس غشوة. وقال أبو ثور إذا كان الرجل مريضا فطاف محمولا أو على دابة أجزاه ذلك وإن طاف راكبا أو محمولا من غير علة ولا عذر لم يجزه ذلك وكان عليه أن يعيد وكان بمنزلة من صلى وهو صحيح قاعدا قال أبو عمر أما من صلى وهو صحيح قادر على القيام جالسا فصلاته باطلة بإجماع من العلماء إذا كان إماما أو منفردا فكيف يقاس على هذا الأصل ما فرقت السنة بينهما بما ذكرنا من حديث بن عباس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على راحلته ولم يقل إن طوافي ذلك لعذر ولا نقل ذلك من يوثق بنقله ومعلوم أن التأسي به مباح أو واجب حتى يتبين أنه له خصوص بما لا دفع فيه من الخبر اللازم إلا أنه قد روي في حديث بن عباس أن طوافه راكبا كان لشكوى حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد. وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني مسدد قال حدثني خالد بن عبد الله قال حدثني يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته كلما أتى الركن استلمه بمحجن فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى. 792- مالك عن أبي الزبير المكي أن أبا ماعز الأسلمي عبد الله بن سفيان أخبره أنه كان جالسا مع عبد الله بن عمر فجاءته امرأة تستفتيه فقالت إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت حتى إذا كنت بباب المسجد هرقت الدماء فرجعت حتى ذهب ذلك عني ثم أقبلت حتى إذا كنت بباب المسجد هرقت الدماء فرجعت حتى ذهب ذلك عني ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء فقال عبد الله بن عمر إنما ذلك ركضة من الشيطان فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي قال أبو عمر أفتاها بن عمر فتوى من يرى أن ذلك ليس بحيض وقد روى هذا الخبر جماعة من رواة الموطأ فقالوا فيه إن عجوزا استفتت عبد الله بن عمر فقالت أقبلت أريد الطواف بالبيت الحديث والجواب يدل على أنها ممن لا تحيض فلذلك إنما قال هي ركضة من الشيطان يريد الاستحاضة وذلك لا يمنع من دخول المسجد ولا من الصلاة وكذلك أمرها بما أمرها من الطواف بالبيت لا يحل إلا لمن تحل له الصلاة. وأما قوله اغتسلي فهو والله أعلم على مذهبه في الاغتسال لدخول مكة والطواف بالبيت وللوقوف من عشية عرفة لا أنه اغتسال من حيض ولا اغتسال لازم وقد مضى من الاغتسال للحاج والمعتمر في أول هذا الكتاب وفسرنا الاستثفار في كتاب الحيض وفي هذا دليل على أن كل من لها دين من تسأل عن معاني دينها قالت عائشة (رضي الله عنها) رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن. 793- مالك أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص كان إذا دخل مكة مراهقا خرج إلى عرفة قبل أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يطوف بعد أن يرجع قال مالك وذلك واسع إن شاء الله قال أبو عمر معنى قوله ثم يطوف بعد أن يرجع من منى وقد رمى جمرة العقبة فيطوف يريد طواف الإفاضة فيغنيه عن طواف الدخول لا أنه يعيد طواف الدخول بعد طواف الإفاضة هذا لمن خشي أن يفوته الوقوف بعرفة قبل الفجر من ليلة النحر إن اشتغل بالطواف للدخول وهو الطواف الموصول بالسعي فأما من لم يخف ذلك فلا يجوز له ترك ذلك الطواف الموصول بالسعي والسعي وقد اتفق العلماء على أن المراهق وهو الخائف لما ذكرنا يسقط عنه طواف الدخول كما يسقط عن المكي ولا يرون في ذلك دما ولا غيره فإذا طاف المكي أو المراهق بالبيت بعد رمي الجمرة وصل طوافه ذلك بالسعي بين الصفا والمروة وقد روى جماعة من السلف أنهم كانوا يوافون مكة مراهقين خائفين لفوت عرفة فلا يطوفون ولا يسعون وينفضون إلى عرفة فإذا كان يوم النحر ورموا جمرة العقبة طافوا وسعوا ورملوا في طوافهم كما رملوا في طواف الدخول واختلف الفقهاء في الحاج القادم مكة يترك طواف الدخول حتى يخرج إلى منى من غير عذر فقال مالك إن قدم يوم التروية فلا يترك الطواف وإن قدم يوم عرفة إن شاء أخر الطواف إلى يوم النحر وإن شاء طاف وسعى كل ذلك واسع ذكره عنه بن وهب في موطئه وذلك دليل على أن لا طواف عند مالك فرضا إلا طواف الإفاضة كسائر العلماء وأن ما في المدونة أن الطوافين واجبان كلام على غير ظاهره وأن معناه أن وجوب طواف الدخول وجوب سنة من تركه عامدا غير مراهق لم يرجع إليه من بلده وعليه دم ووجوب طواف الإفاضة وجوب فرض لا يجزئ منه دم ولا غيره ولا بد من الإتيان به يوم النحر من بعد رمي الجمرة أو قبلها للصدر والوداع وما لم يكن للإفاضة أجزاه لأنه طواف بالبيت معمول في وقته ينوب عن طواف الإفاضة عند جماعة الفقهاء وقالت طائفة من أصحاب مالك إن طواف الدخول لمن عمله يجزئ عن طواف الإفاضة لمن نسيه إذا رجع إلى بلده وعليه دم كما ذكرنا عنهم في طواف الدخول أنه يجزيه بالدم من طاف للإفاضة ورجع إلى بلده وقال أهل المدينة من أصحاب مالك وهو قول سائر الفقهاء لا يجزئ طواف الدخول ولا ينوب عن طواف الإفاضة بحال من الأحوال وإنما يجزئ عندهم طواف الإفاضة كل طواف يعمله الحاج يوم النحر أو بعده في حجته. وأما كل طواف يطوفه قبل يوم النحر فلا يجزئ عن طواف الإفاضة وهو قول إسماعيل بن إسحاق وأبي الفرج وجمهور أهل العلم قال أبو عمر وذلك والله أعلم لقول الله (عز وجل) (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق) [الحج 29]. فأمر الله (عز وجل) بالطواف بالبيت بعد قضاء التفث وذلك طواف يوم النحر بعد الوقوف بعرفة. وأما طواف الدخول فلم يأمر الله به ولا رسوله وإن كان قد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخوله في حجة والدليل على أن طواف الدخول ليس بواجب إجماع العلماء على سقوطه عن المكي وعن المراهق الخائف فوت عرفة والله (عز وجل) قد افترض الحج على المكي وغيره إذا استطاعه فلو كان طواف الدخول فرضا لاستوى فيه المكي وغيره كما يستوون في طواف الإفاضة وقد قال بعض أهل العلم طواف الدخول للحاج كركعتي الداخل في المسجد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طافه في حجته وقال خذوا عني مناسككم صار نسكا مسنونا ومن ترك من نسكه شيئا غير الفرض جبره بالدم وقد أجمعوا أنه يجبر بالدم لمن طاف للإفاضة ولا يرجع إليه إذا أبعد عنه وليس هذا حكم طواف العلماء الذين هم حجة على من شذ عنهم. وأما طواف الدخول إلى المعتمر فهو فرض في عمرته لأن العمرة الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة قال أبو عمر قد ذكرنا قول مالك فيمن قدم يوم عرفة أنه إن شاء أخر الطواف إلى يوم النحر وإن شاء طاف وسعى ذلك واسع وهذا من قوله بيان أن طواف الدخول ليس بواجب وهو الذي عليه الفقهاء وعامة العلماء قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا ترك الحاج الدخول فطاف طواف الزيارة رمل في ثلاثة أطواف منها وسعى بين الصفا والمروة. وقال الشافعي من طاف طواف الدخول على غير وضوء وفي ثياب غير طاهرة هل يجزه فإن طاف للإفاضة وخرج من مكة وذكر ذلك كان عليه الفدية قال أبو عمر يعني الدم وبه قال أحمد وأبو ثور وقال إسماعيل بن إسحاق طواف القادم سنته لمن دخل مكة كما طواف الوداع لمن أراد الخروج عنها من حل مسافر وغيره قال والطواف الواجب الذي لا يسقط بوجه من الوجوه هو الطواف الذي يكون بعد عرفة قال الله عز وجل (وليطوفوا بالبيت العتيق) [الحج 29]. فكان هذا هو الطواف المفترض في كتاب الله (عز وجل) وهو طواف الإفاضة وسئل مالك هل يقف الرجل في الطواف بالبيت الواجب عليه يتحدث مع الرجل فقال لا أحب ذلك له قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الطواف صلاة إلى الله (عز وجل) أحل فيه الكلام فمن يطف فلا ينطق إلا بخير. وحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثني أبو عوانة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن بن عباس قال الطواف بالبيت صلاة فأقلوا من الكلام ورواه بن جريج عن الحسن بن سالم عن طاوس عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ذكر مرفوعا وقال طاوس وسمعنا بن عمر يقول اتقوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في صلاة ذكره الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس قال. وحدثني سعيد عن إبراهيم بن نافع قال كلمت طاوسا في الطواف فكلمني وذكر بن جريج عن عطاء أنه كان يكره الكلام في الطواف إلا الشيء اليسير وكان يستحب فيه الذكر والتلاوة للقرآن وكان مجاهد يقرأ عليه القرآن في الطواف. وقال مالك لا أرى ذلك ويبقى على طوافه. وقال الشافعي أنا أحب القراءة في الطواف وهو أفضل ما تتكلم به الألسن. وأما قوله في آخر هذا الباب قال مالك لا يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة إلا وهو طاهر فقد مضى القول في الطواف على غير طهارة وما للعلماء في ذلك من المعاني والمذاهب في باب ركعتي الطواف عند قوله هناك قال مالك فمن أصابه شيء ينقض وضوءه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة وأوضحنا هناك أن السعي بين الصفا والمروة لمن طاف بالبيت على طهارة استحباب غير واجب عند الجميع والحمد لله إلا أنه لا يجزئ عند أهل الحجاز أخبرنا أحمد بن محمد قال أخبرنا أحمد بن الفضل قال حدثني محمد بن جرير قال أخبرنا أبو كريب قال قال أبو بكر بن عياش وسأله يحيى يعني بن آدم فقال هشام عن عطاء إذا طاف على غير وضوء أعاد قال نعم قال وقال إبراهيم لا يعيد. 794- مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرج من المسجد وهو يريد الصفا وهو يقول نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا قال أبو عمر في هذا الحديث الخروج من المسجد إلى الصفا عند انقضاء الطواف بالبيت ثم يبتدئ السعي وهذا إجماع لا خلاف فيه لأنها السنة المعمول بها وقد مضى بيان ذلك وفيه أن السنة الواجبة أن يبدأ الساعي بين الصفا والمروة من الصفا قبل المروة فقد ذكرنا في كتاب الصلاة من هذا الديوان ما للعلماء في مثل هذا الخطاب قالوا ومن المذاهب في دخول البيت بما يسن فيها من السنن والفرائض وقد ذكرناه بما فيه كفاية فلا معنى لإعادته ها هنا وفي حديث جابر في الحج الحديث الطويل قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصفا فرقى عليها حتى رأى البيت فحمد الله ووحده وكبره فأجمعوا أنه هكذا ينبغي للحاج والمعتمر أن يفعل إن قدر فإن لم يفعل ولم يرق على الصفا وقام في أسفله فلا خلاف بينهم أنه يجزئه وأجمعوا على أن من سنة السعي بين والصفا والمروة أن ينحدر الراقي على الصفا بعد الفراغ من الدعاء فيمشي على حسب مشيته وعادته في المشي وجبلته حتى يبلغ بطن المسيل ثم يرمل بمشية حتى يقطعه فإذا قطعه إلى مائل المروة وجازه مشى على سجيته حتى يأتي إلى المروة فيرقى عليها حتى يبدو له البيت ثم يقول عليها نحو ما قاله من الدعاء والتكبير والتهليل على الصفا وإن وقف أسفل المروة أجزاه في قول جميعهم ثم ينزل عن المروة يمشي على سجيته حتى ينتهي إلى بطن المسيل فإذا انتهى إليه سعى شدا ورمل حتى يقطعه إلى الجانب الذي يلي الصفا يفعل ذلك سبع مرات يبدأ في كل ذلك بالصفا ويختم بالمروة وإن بدأ بالمروة قبل الصفا ألغى شوطا واحدا وهذا كله قول جماعة الفقهاء وقد روي عن عطاء أنه إن جهل أجزأه وروي عنه أنه لا يعتد بهذا الشوط كما قال سائر العلماء واختلفوا في السعي بين الصفا والمروة هل هو واجب فرضا من فرض الحج أو هو تطوع وسنة قال مالك من جهل فلم يسع بين الصفا والمروة أو أفتى بأن ذلك ليس عليه فذكر وطاف بالبيت ثم خرج إلى بلاده فإنه يرجع متى ما ذكر على ما بقي من إحرامه حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويهدي قال مالك ذلك أحب إلي فإن كان أصاب النساء رجع فقضى ما عليه من الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ثم اعتمر مكان عمرته التي أفسدها بالوطء وكذلك من لم يسع بين الصفا والمروة في حجة حتى وطىء أهله كان عليه تمام حجته وحج قابل والهدي هذا كله قوله في الموطأ وغيره وقال الثوري من نسي السعي بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى بلاده فإنه يجزئه دم يهديه. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا ترك السعي بين الصفا والمروة عامدا أو ناسيا فعليه دم ولا يرجع إليه حجا كان أو عمرة. وقال الشافعي السعي بين الصفا والمروة واجب واحتج في ذلك فقال حدثني عبد الله بن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني بنت أبي تجراة قالت دخلت مع نسوة من قريش دار آل بن أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي حتى أني لأقول إني لأرى ركبتيه وسمعته يقول اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي وكذلك رواه أبو نعيم الفضل بن دكين عن عبد الله بن المؤمل وقد اضطرب فيه غير هذين على عبد الله بن المؤمل وقد جود الشافعي وأبو نعيم إسناده ومعناه. وقال الشافعي وهذا عندنا والله أعلم على إيجاب السعي بين الصفا والمروة من قبل أن هذا الحديث لا يحتمل إلا السعي بينهما أو السعي في بطن الوادي وهو بعض العمل وجب في كله وهو ما قلنا قال الشافعي من ترك السعي بين الصفا والمروة في الحج فالنساء عليه حرام حتى يرجع فيسعى فيما بينهما فإن وطأ فعليه العود حتى يطوف بينهما ويهدي قال أبو عمر من قوله وقول غيره تأتي واضحة إن شاء الله فيما بعد. وقال أبو ثور في ذلك كله مثل قول الشافعي وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول عائشة (رضي الله عنها) أن السعي بين الصفا والمروة فرض وبه قال مالك والشافعي ومن ذكرنا معهم أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني جعفر بن محمد الفريابي قال حدثني عمرو بن علي قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة قالت والله ما أتم الله حج رجل ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة وقال بن عباس وأنس وعبد الله بن الزبير هو تطوع وبه قال الكوفيون وهو قول الحسن وبن سيرين قال أبو عمر قول سفيان والكوفيين في إيجابهم الدم يحتمل أن يكون عندهم تطوعا ويحتمل أن يكون عندهم سنة وهو الأظهر في إيجابهم الدم وقد روي أن الحسن وقتادة قالا فيمن ترك السعي عليه دم وروي عن الحسن أنه قال لا شيء عليه رواه يحيى القطان عن الأشعث عن الحسن في الرجل ينسى السعي بين الصفا والمروة قال ليس عليه شيء وروي عن طاوس أنه قال فيمن ترك السعي بين الصفا والمروة عمرة وهذا عندي كقول من أوجبه لأن كل من يوجبه يوجب على تاركه الرجوع إليه من بلده فإذا وجب عليه الرجوع من بلده حتى يسعى لم يدخل الحرم إلا محرما وأقل الإحرام عمرة ومن شأن السعي اتصاله بالطواف قبله وروي عن عطاء فيمن ترك السعي بين الصفا والمروة أو نسيه أنه ليس عليه شيء وروي عنه أن عليه دما قال أبو عمر حجة من لم يوجب السعي قوله (عز وجل) (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) [البقرة 158]. واحتجوا بقراءة أبي وبن مسعود (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) وهذه قراءات لم تثبت في المصحف فلا حجة فيها قاطعة وقد قالت عائشة في ذلك مما سيأتي بعد ما نبين به أنها رأته واجبا قالوا ولم تقم بوجوبه حجة يجب التسليم لها وضعفوا حديث عبد الله بن المؤمل قال أبو عمر قد رواه مع بن المؤمل غيره وقد ذكرناه في التمهيد وعبد الله بن المؤمل لم يطعن عليه أحد إلا من سوء حفظه ولم يعارضه في هذا الحديث ولا خالفه فيه غيره فيتبين فيه سوء حفظه وممن رواه كما رواه عبد الله بن المؤمل حماد بن زيد عن بديل بن ميسرة عن المغيرة بن حكيم عن صفية بنت شيبة عن امرأة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله وإذا أثبت حديثه وجب فيه فرض السعي بين الصفا والمروة والله أعلم وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك الحج ومشاعره فبين في ذلك السعي بين الصفا والمروة فصار بيانا للآية وقال خذوا عني مناسككم فما لم يجمعوا عليه أنه سنة وتطوع فهو واجب بظاهر القرآن والسنة بأنه من الحج المفترض على من استطاع السبيل إليه ذكر عبد الرزاق عن أيوب عن أبي مليكة عن عائشة قالت ما تم حج امرئ ولا عمرته حتى يطوف بين الصفا والمروة وليس في حديثها هذا حجة قاطعة لا تحتمل التأويل. مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك) قال أبو عمر الآثار في دعائه وذكره صلى الله عليه وسلم على الصفا والمروة متقاربة المعاني وليس في ذلك عند أحد من أهل العلم حد وإنما هو الدعاء والذكر والاجتهاد في ذلك بقدر ما يقدر عليه المرء ويحضره وفي هذا الحديث من رواية الليث عن بن الهاد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فذكره وزاد فكبر الله وحمده ودعا بما شاء الله فعل هذا حتى فرغ من الطواف. 796- مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر وهو على الصفا يدعو ويقول اللهم إنك قلت (ادعوني أستجب لكم) [غافر 60]. وإنك لا تخلف الميعاد وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم قال أبو عمر هو موضع عند جماعة العلماء ترجى فيه الإجابة والدعاء فيه اتباع للسنة وفي قول بن عمر المذكور دليل على أن الدعاء مجاب كله وقد فسرنا ذلك عن العلماء وذكرنا وجوه الاستجابة عندهم بترتيب قوله تعالى (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) [الأنعام 41]. في آخر كتاب الصلاة والدعاء عبادة بل قالوا إنه أفضل العبادة لما فيه من الإخلاص واليقين والرجاء. وأما دعاؤه أن لا ينزع الإسلام منه ففيه الامتثال والتأسي بإبراهيم (عليه السلام) في قوله (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) [إبراهيم 35]. ويوسف (عليه السلام) في قوله (وتوفني مسلما وألحقني بالصالحين) [يوسف 101]. وبالنبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه من قوله وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون قال إبراهيم النخعي لا يأمن الفتنة والاستدراج إلا مفتون ولا نعمة أفضل من نعمة الإسلام فيه تزكو الأعمال ومن ابتغى دينا غيره فلن يقبل منه ولو أنفق ملء الأرض ذهبا أماتنا الله عليه وجعلنا من خير أهله آمين. 797- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال قلت لعائشة أم المؤمنين وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تبارك وتعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما [البقرة 158]. فما على الرجل شيء أن لا يطوف بهما فقالت عائشة كلا لو كان كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تبارك وتعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) [البقرة 158]. قال أبو عمر أما قول عروة في هذا الحديث وأنا يومئذ حديث السن ففيه دليل على أنه إذا حدث بهذا الحديث كان يقول غير ما قاله إذ كان في غير السن وفي ذلك ما يدل على أن عروة ممن يذهب مذهب عائشة في وجوب السعي بين الصفا والمروة وإن كان قد اختلف عنه في ذلك وقد تقدم ما للعلماء في إيجاب السعي من الاختلاف في الباب قبل هذا. وأما ما احتجت به عائشة (رضي الله عنها) من قولها لو كان كما تقول لكانت (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) ولو كانت قراءة صحيحة ما جهلتها عائشة ولا عابت على عروة لأنه كان يجاوبها بأنها كانت قراءة أبي وبن مسعود وأنها مما نزل القرآن عليه ويشهد لما قلناه سقوطها من المصحف المجتمع عليه. وأما مناة فصنم وهو الذي ذكر الله تعالى أنه أحد الأصنام الثلاثة في قوله تعالى (ومناة الثالثة الأخرى ) [النجم 20]. وإنما تحرج المسلمون من السعي بين الصفا والمروة لأنه كان موضع ذبائحهم لأصنامهم فأخبرهم الله تعالى أن الصفا والمروة من شعائر الله لئلا يتحرج من السعي بينهما والطواف بهما ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عائشة قالت كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة في الجاهلية ومناة صنم بين مكة والمدينة فقالوا يا نبي الله ! إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة فهل علينا من حرج أن نطوف بهما فأنزل الله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) [البقرة 158]. قال عروة فقلت لعائشة ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة فإن الله (عز وجل) يقول إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما فقالت يا بن أختي ألا ترى أنه يقول (إن الصفا والمروة من شعائر الله) [البقرة 158]. قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن فقال هذا العلم قال أبو بكر ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة وإن الله تعالى قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر بين الصفا والمروة فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما فأنزل الله (عز وجل) (إن الصفا والمروة) [البقرة 158]. كلها قال أبو بكر فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما فيمن طاف وفيمن لم يطف قال أبو عمر قول أبي بكر بن عبد الرحمن فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين يعني القائلين بأن الآية نزلت فيمن قال يا نبي الله إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة يعني مناة التي كانت للأنصار لئلا يعظموا غير الله تعالى وكانت لهم آلهة يعبدونها قد نصبوها بين المسلك بين مكة والمدينة فكانوا يكرهون أن يطوفوا بين الصفا والمروة من أجل مناة التي كانت لقريش وما أدري موضع مناة الثالثة الأخرى والفريق الثاني هم القائلون بأن الآية إنما نزلت لقول من قال إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة كما كنا نطوف بالبيت فأمر الله تعالى بالطواف بالبيت ولم يأمر بالطواف بين الصفا والمروة فهل علينا من حرج ألا نطوف بهما فأنزل الله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله) [البقرة 158]. كلها قال أبو عمر فهذا تأويل قول أبي بكر بن عبد الرحمن أسمع هذه الآية أنزلت في الفريقين كليهما ممن طاف ومن لم يطف يريد أنه سمع القولين معا في سبب نزول الآية والآية محتملة لهما وكلا القولين علم وكذلك قال إن هذا لعلم وهذا العلم ويحتمل قوله هذا العلم إشارة إلى قول عائشة واحتجاجها بقوله (عز وجل) (إن الصفا والمروة من شعائر الله) [البقرة 158]. أي قد جعل الطواف بينهما من الشعائر التي أرادها من عباده في الحج والعمرة كما قال (إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران 19 وهذا القول مع العلم سبب نزول الآية على وجوب السعي بين الصفا والمروة كما قال أهل الحجاز والله أعلم أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن عثمان قال حدثني أبي عن شعيب عن الزهري عن عروة قال سألت عائشة عن قول الله (عز وجل) (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) [البقرة 158]. فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بهما فقالت عائشة بئس ما قلت يا بن أختي ! إنما هذه الآية لو كانت كما أولتها كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما ولكنها إنما أنزلت في الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أنزل الله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) [البقرة 158]. ثم قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما فليس لأحد أن يترك الطواف بهما قال أحمد بن شعيب. وأخبرنا محمد بن منصور قال حدثني سفيان عن الزهري عن عروة قال قرأت على عائشة (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) [البقرة 158]. قلت وما أبالي أن لا يطوف بهما قالت بئس ما قلت وذكر الخبر وفيه قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك وقال سمعت رجالا من أهل العلم يقولون إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية وقال آخرون من الأنصار إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بين الصفا والمروة فأنزل الله (عز وجل) (إن الصفا والمروة من شعائر الله) [البقرة 158]. قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها قد نزلت في هؤلاء. 798- مالك عن هشام بن عروة أن سودة بنت عبد الله بن عمر كانت عند عروة بن الزبير فخرجت تطوف بين الصفا والمروة في حج أو عمرة ماشية وكانت امرأة ثقيلة فجاءت حين انصرف الناس من العشاء فلم تقض طوافها حتى نودي بالأولى من الصبح فقضت طوافها فيما بينها وبينه وكان عروة إذا رآهم يطوفون على الدواب ينهاهم أشد النهي فيعتلون بالمرض حياء منه فيقول لنا فيما بيننا وبينه لقد خاب هؤلاء وخسروا قال أبو عمر في هذا الخبر حجة لمالك في كراهية أن يطوف أحد راكبا من غير عذر لازم وفيه إعلام بما كان عليه الصالحون من الرجال والنساء من الصبر على أعمال الطاعات وإن كان في بعضها رخصة طلبا للأجر وجزيل الثواب من الله (عز وجل) لم يجد رخصة من الله في الطواف بالبيت وبالصفا والمروة راكبا لدى العذر من مرض أو زمانه ألا ترى أنه لما اعتلوا له بالمرض لم ينكر عليهم ثم قال سرا كلاما معناه إن كان هؤلاء كذبوا فيما اعتلوا به فقد خابوا وخسروا وعلى كراهة الركوب بين الصفا والمروة من غير علة ولا ضرورة جمهور أهل العلم وبه قال مالك والكوفيون وإليه ذهب أحمد وإسحاق وروي ذلك عن عائشة وعروة. وقال الشافعي لا بأس به وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ولم يخبر بعلة ولا ضرورة وقال حدثني سعيد بن سالم عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف لهم لأن الناس غشوه وقال بن جرير. وأخبرني عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وبين الصفا والمروة راكبا فقلت لعطاء لم قال لا أدري قال أبو عمر قد روي عن عطاء ومجاهد أنهما سعيا راكبين ولم تقدر سودة بنت عبد الله بن عمر لثقل جسمها أن تقضي الطواف بين الصفا والمروة سبعا إلا بين العشاء والأذان للصبح ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولو ركبت كان في ذلك رخصة لها وقد يشبه أن يكون ذلك في ليالي الصيف مع التغليس بالصبح والله أعلم. وأما قول مالك من نسي السعي بين الصفا والمروة في عمرة فلم يذكر حتى يستبعد من مكة أنه يرجع فيسعى وإن كان قد أصاب النساء فليرجع فليسع بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة ثم عليه عمرة أخرى والهدي فقد وافقه الشافعي في أن العمرة من فروضها الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وإنها لا تتم إلا بذلك وقول الشافعي في هذه المسألة قول مالك وقد ذكرنا اختلاف العلماء في وجوب السعي بين الصفا والمروة فكل من أوجبه يوجب الرجوع إليه من كل أفق في العمرة كما يوجبه في الحج لأن القرآن عمهما في قوله (عز وجل) (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) [البقرة 158]. ومن لم يوجبه ناب عنه عنده الدم لمن أبعد عن مكة لأن هذا شأن السنن في الحج أن تجبر بالدم ولا ينصرف إليها من بعد. وأما الوطء قبل السعي بين الصفا والمروة بالعمرة فسيأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وقد روي عن بن عباس أنه قال العمرة الطواف بالبيت وخالفه بن عمر وجابر والناس ذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سألنا بن عمر عن رجل طاف بالبيت يعني في العمرة أيقع على أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة فقال أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت ثم أتى المقام فصلى عنده ركعتين ثم طاف بين الصفا والمروة ثم قرأ (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب 21]. قال عمرو فسألنا جابر بن عبد الله فقال لا يقربها حتى يسعى بين الصفا. وأما قوله وسئل مالك عن الرجل يلقاه الرجل بين الصفا والمروة فيقف معه يحدثه فقال لا أحب له ذلك قال إن العلماء يكرهون الكلام بغير ذكر الله في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة إلا فيما لا بد منه لأنه موضع ذكر ودعاء والكلام بين الصفا والمروة عندهم أخف فمن تكلم وتحدث لم يفسد ذلك طوافه ولا سعيه عند الجميع عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن أبي وائل عن مسروق أن بن مسعود قال حين سعى للوادي اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم وعن محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن مجاهد أنه سمع بن عمر وهو يرمل بين الصفا والمروة وهو يقول اللهم اغفر وارحم وأنت العزيز الأرحم روى سفيان عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن وهب بن الأجدع كان عمر بن الخطاب يعلم الناس يقول إذا قدم أحدكم حاجا أو معتمرا فليطف بالبيت سبعا ويصلي خلف المقام ركعتين ثم يأتي الصفا فيصعد عليها فيكبر سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد لله وثناء عليه وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله لنفسه وعلى المروة مثل ذلك وعن مسعر عن قراض عن الشعبي عن وهب بن الأجدع مثله قال عبد الرزاق. وأخبرنا بن أبي رواد عن نافع عن بن عمر أنه كان كثيرا ما يقول بين الصفا والمروة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله ومن رواية بن جريج وأيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان يقول إذا نزل على الصفا والمروة اللهم واستعملني لسنة نبيك وتوفني على ملته وأجرني من مضلات الفتن واعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك وجنبني معاصيك واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك وعبادك الصالحين وحببني إلى ملائكتك وعبادك الصالحين اللهم واجعلني من أئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم ولا تخزني يوم يبعثون قال أبو عمر هو موضع ذكر ودعاء وليس فيه شيء مؤقت فليدع المؤمن بما شاء لدين ودنيا ولا يتعدى في الدعاء إلى ما لا ينبغي وبالله التوفيق. وأما قول مالك ومن نسي من طوافه شيئا أو شك فيه فلم يذكر إلا وهو يسعى بين الصفا والمروة فإنه يقطع سعيه ثم يتم طوافه بالبيت على ما يستيقن ويركع ركعتي الطواف ثم يبتدئ سعيه بين الصفا والمروة فهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء أن من شك في طوافه يلزمه البناء فيه على الأقل في نفسه وليس عمله في السعي وإن طال ما يلزمه ابتداء الطواف ولكنه يبني على ما طاف حتى يتم الطواف ويركع ركعتين ثم يسعى بين الصفا والمروة. 799- مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل من الصفا والمروة مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى يخرج منه قال أبو عمر هكذا قال يحيى في هذا الحديث كان إذا نزل بين الصفا وسائر رواة الموطأ يقولون كان إذا نزل من الصفا وكذلك هو محفوظ في حديث جابر الطويل وقد رواه مالك وقطعه في أبواب من الموطأ قال أبو عمر وليس في هذا الحديث ما يحتاج إلى القول والعلماء كلهم على القول به والسعي المذكور فيه هو الاشتداد في المشي والهرولة ولا خلاف في السعي في المسيل وهو الوادي بين الصفا والمروة إلا أن من السلف من كان يسعى المسافة كلها بين الصفا والمروة منهم الزبير بن العوام وابنه عبد الله بن الزبير ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة أنه أدرك أباه يولي بين الصفا والمروة سعيا وكان عروة لا يصنع ذلك كان يسعى في بطن المسيل ثم يمشي قال. وأخبرنا بن عيينة عن هشام بن عروة أن الزبير وابنه عبد الله بن الزبير كانا يركبان ما بين الصفا والمروة كله سعيا قال أبو عمر العمل عند جمهور الفقهاء على ما في حديث جابر قال ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصفا فلما انصبت قدماه في الوادي سعى حتى خرج منه ولا حرج على من اشتد وسعى في ذلك كله وذكر الثوري عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير قال رأيت بن عمر يمشي بين الصفا والمروة ثم قال إن مشيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي أو سعيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى قال مالك في رجل جهل فبدأ بالسعي بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت قال ليرجع فليطف بالبيت ثم ليسع بين الصفا والمروة وإن جهل ذلك حتى يخرج من مكة ويستبعد فإنه يرجع إلى مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة وإن كان أصاب النساء رجع فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة ثم عليه عمرة أخرى والهدي قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء في أن يطوف بالبيت في الحج والعمرة قبل السعي بين الصفا والمروة وبذلك جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كذلك فعل في عمراته كلها وفي حجته قال خذوا عني مناسككم واختلف العلماء فيمن سعى بين الصفا والمروة من قبل أن يطوف بالبيت فقال مالك ما ذكرنا عنه في الموطأ وهو قول جمهور الفقهاء منهم أبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأحمد وإسحاق ورواية عن الثوري روى ذلك بن أبي الزرقاء ومهران الرازي عن الثوري أنه قال إن سعى الحاج بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت فإنه يطوف بالبيت ويجزئه وذكر عبد الرزاق قال سألت الثوري عن رجل بدأ بالصفا والمروة قبل الطواف بالبيت فقال أخبرني بن جريج عن عطاء يطوف بالبيت وقد جزى عنه قال عبد الرزاق عن سفيان. وأما نحن فنقول يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بهما قال أبو عمر فإن طاف بهما على غير طهارة ثم طاف بين الصفا والمروة ثم ذكر توضأ وطاف بالبيت ثم بالصفا والمروة ولا يجزئه غير ذلك عند مالك والشافعي لأنهما يقولان إنه لا يجزئ السعي بين الصفا والمروة إلا بعد إكمال الطواف بالبيت على طهارة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة عندهما كالركوع والسجود وقد أجمعوا أنه لا يجزئ السجود قبل الركوع وقد تقدم القول في الطواف بالبيت على غير طهارة والاختلاف فيه ولا فرق عند مالك والشافعي بين من نسي السعي بين الصفا والمروة وبين من قدم السعي بين الصفا والمروة على الطواف بالبيت وعليه الرجوع إلى الطواف ثم السعي عند مالك والشافعي خرج من مكة أو لم يخرج أبعد أو لم يبعد فإن وطىء النساء قبل الطواف فعليه قضاء الحج والعمرة ومع ذلك الهدي على ما يأتي في بابه إن شاء الله. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومن خرج من مكة وقد رأى أنه كان قدم السعي بين الصفا والمروة على الطواف بالبيت فعليه دم وليس عليه أن يعود.
|